Вторник 7 Май 2024 | 1433 х.   RSS | PDA | أرشيف الباب
 




 

تولستوي...مازال حيا بعد مرور 100 عام على رحيله

27.04.2009 17:29

  لكي تعيش بنقاء ضمير يجب أن تقتحم ، أن تتعثر ، أن تصارع ، أن تقع في خطأ ، أن تبدأ في أمر و تتركه ، ثم تبدأ من جديد ثم تتركه مرة أخرى وأن تكافح ابداً ، و تعاني الحرمان . أما الطمأنينة فهي دناءة روحية.

 

ليف تولستوي

 

"ما دام تولستوي حيا فنحن كلنا أحياء " هذا ما كرره على مر الأزمان كل من بونين وتشيخوف بلوك وأندرييف ستانسلافسكي وريبن،"وبوجود تولستوي إلى جوارنا كأفراد أو مجموعات في الثقافة وفي المجتمع يمكننا أن نشخص بدقة حياة وموت روسيا"

 

واليوم وبعد مرور 180 عاما على ولادة تولستوي وبعد مرور 100 عام على هذه المقولات لعظماء روسيا الغائبين كذلك، يتساءل الكثيرون في روسيا إن كانت روسيا قد فقدت بوصلتها الأخلاقية ومنظومة القيم التي أرساها عمالقة الأدب والفن وعلى رأسهم ليف تولستوي

 

تولستوي الذي يعد ادبه من امتع ماكتب في التراث الانساني قاطبة عن النفس البشرية وما تحمله من طموحات وصراعات ،عاش حياة مختلفة عما قد يتخيله البعض عن اديب وكاتب عظيم مثله. ففي النهار كان يحرث الارض ويقطع الاخشاب ويصنع الجزم ويصلح سقوف منازل الفلاحين. اما في المساء فيأتي دور الروايات الطويلة والكاملة. وكان في تلك الروايات كل ما يعكس الحياة الانسانية : من ضلال وعذابات وسعادة وألم وتوق الى المثل العليا

وفي فصل الشتاء عندما كان ينتقل من ضيعته في "ياسنايا بوليانا" الى موسكو حيث كان يقيم في منزل في محلة خاموفنيكي كان يفد اليه قراؤه من الطلاب والعمال والكهنة والعلماء والفنانين ليتحدثوا عن ابطال رواياته :آنا كارينينا واندريه بولكونسكي وناتاشا روستوفا وبيار بيزوخوف

في روسيا، حين كانوا ينظرون الى الادب على انه رسالة أو خطاب ناتج عن الضمير الاجتماعي العام، وحيث يثقون به حتى أكثر من الحياة نفسها وحيث ان كونك كاتبا يجعلك في مصاف الرسل، يتكلمون دائما عن ليف تولستوي كما يتكلمون عن رسول أومصلح. فهو يعد بالنسبة للروس حتى في حياته آنذاك بطلا قوميا وشخصا كانت كل كلمة من كلماته بمثابة وصية وكل تصرف من تصرفاته بمثابة حدث تاريخي


من دون شك استحق تولستوي علاقة الاحترام والتبجيل الموجهة الى شخصه. ان أدبه النثري ابتداء من القصص المبكرة التي كانت تندد بشكل لا يرحم بالحرب التي شارك الكاتب فيها وانتهاء بمؤلفاته الاخيرة كرواية "الحاج مراد" مثلا في العام 1904 كان أدبا عبقريا. وكما قال عن تولستوي معاصره الاديب الكبير انطون تشيخوف."ان عمله يشكل انعكاسا لتلك التمنيات والآمال الملقاة على الادب"

لم يكن هناك سؤال واحد لم يحاول الاديب ان يجيب عنه بشكل صادق. عن تكون وصيرورة النفس الشابة تحدث في روايته الثلاثية "الطفولة" و"الفتوة و"الشباب" المكرسة لسيرة حياته الذاتية وذلك في سنوات الخمسينيات من القرن التاسع عشر ولم يتعد في ذلك الوقت سن الثلاثين

وعن المتاهات التي تضيع فيها الروح الانسانية في تفتيشها عن "البساطة والخير والحقيقة" تتحدث الرواية-الملحمة "الحرب والسلام"


وفي العديد من مؤلفاته يعرض تولستوي "فكرة العائلة"، اذ كانت عائلته الخاصة الكثيرة الأفراد تشكل سعادة وتعاسة بالنسبة اليه في آن واحد. كان يعمل تفكيره على قوانين الحياة الحية الغامضة والرائعة التي تجسدت في شخصية ناتاشا روستوفا كما وتطرق للحديث عن الساعات الاخيرة قبل الموت وهو ما تعكسه رواية "موت ايفان ايليتش"

ان ما عكسه الكاتب بتلك الحرارة والقدرة القوية على المراقبة من تفاصيل حياتية فردية وعائلية استحق اعجاب الجميع من صغار القوم وكبارهم. فكما لاحظ الاديب المهاجر فلاديمير نابوكوف فان "الأشخاص الكبار في السن في روسيا يتكلمون خلف طاولة الشاي عن ابطال تولستوي وكأن هؤلاء اشخاص حقيقيون بالكامل يشبهون معارف واصدقاء لهم كانوا يرقصون حقيقة في حفلات الرقص الى جانب آنا كارينينا أو ناتاشا روستوفا"

بيد ان المجتمع لم يخلد ليف تولستوي لمجرد انه كان أديبا عبقريا وحكيما أدرك كنه كل ما هو غامض وجلي من دواخل النفس البشرية. فهو اذ كان يبشر دائما بحقيقة "جوهر الحياة" لم يكن يهاب اية محكمة بل كان يندد بجرأة بكل ما كان يراه شرا وضلالا. "سيموت تولستوي ذات يوم وكل شيء في روسيا سيذهب الى الجحيم" هذا ما قاله انطون تشيخوف ليعكس موقف العديد من معاصري الاديب الكبير الذين كان يجسد بالنسبة اليهم الضمير المدني وحامي القيم الاخلاقية

ليف تولستوي تشاجر مع الكنيسة لأنه رأى في نمط حياتها العديد من الامور غير المنتظمة. وفي عمر الثمانين ندد بروح فتية في مقالته "لا أقدر على السكوت" بممارسات الحكم الملكي ضد ثوار فترة 1905 - 1907 المنتفضين على سلطته. وفي الحقيقة شكلت تلك المقالة صفعة قوية للسلطة فاقت بتأثيرها اي عمل ثوري آخر


وهذه الدعوة لمبارزة أقوياء العالم في تلك الفترة ضاعفت لعدة مرات مجد تولستوي الذي كان قد سبق له وتجاوز كل الحدود القائمة

كان كل شيء مسموحا بالنسبة "للرسول والجندي" هكذا وصفه أحد الصحافيين واستخدم الآخرون هذا الوصف بعده: التطرف وكره المسرح والشعر والتنديد بمؤلفاته ورفضها في نهاية حياته. فتولستوي شطب من حياته مؤلفاته التي استغرق وضعها سنوات عديدة بحجة انها لم تقدم للناس مثالا ايجابيا كما يزعم

وكان يحدث في بعض الاحيان ان يسخر أحدهم من قرويته المعبودة أو ميله للطعام النباتي او ملابسه البسيط، ولكن سرعان ما كان هؤلاء يركضون للاطلاع منه على معنى الحقيقة وعلى كنه من يبدع التاريخ العالمي

أما السلطات الكنسية والسياسيون من مختلف التيارات فكانوا يسعون لايجاد تشابه مع تعاليمهم في فلسفته. فلاديمير لينين وصف تولستوي بأنه "مرآة الثورة الروسية" بينما المحافظون من شتى التيارات قبلوا الاديب في صفوفهم لأنه دعا الى المحافظة على حياة الفلاحين العشائرية. اما المسيحيون فرأوا فيه رسولا متحمسا لحب القريب.

وكان قريبا من البوذيين في رفضه للعنف الذي لا يعرف المساومة

وبرز في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في كل مناطق روسيا "تولستيون" حاولوا تقليد الأديب العظيم، فكانوا يعتمدون نمط حياة بسيط ويسعون للكمال الاخلاقي. غير ان أحدا من اتباع تولستوي لم يكن مستعدا للسير في درب تطهير الروح حتى النهاية. بينما تولستوي اذ اعتبر، وكان عمره يناهز الـ 80، ان حياته نقية من الذنوب قصد الدير سيرا على الاقدام ولكن المرض أصابه في رحلته وتوفي في فناء احدى محطات السكك الحديدية الصغيرة

ان تولستوي كان ولا يزال عالما لم يتم إدراكه بالكامل. وليس من قبيل الصدفة ان لا يكون أحد من الرسامين قد تمكن من تصوير التعبير الحقيقي لعينيه وعمقهما حتى الآن بينما المحاولات المتعددة لتجسيد شخصيته على الشاشة الروسية او غيرها، وكذلك الكتابات التي وضعت عن رسائله وذكرياته وسيرته الذاتية ليست سوى مجرد رفع محدود للستارة التي يختبئ خلفها سر عميق يسمى ليف تولستوي

 

وأي كانت تناقضات تولستوي على الصعيد الشخصي لكنه كان يستند دائما على منطلقات ثلاث في تقيميه لذاته ولمن عاش من حوله

 

أول هذه المنطلقات حساسية إستثنائية في تلمس قيم الجمال وفكرة الحياة الأبدية إلى جانب إحساس بالضعف وهشاشة كل ما هو حي إضافة لقلقه المتزايدة تجاه مصيره. تولستوي كان مؤمنا من أنه من السهل أن تحب البشرية لكن بالمقابل من الصعب أن تحب أقرباءك

 

من هنا كان إهتمام الكاتب بمسألة الحياة والموت

 

وثاني هذه المنطلقات نظافة المشاعر الأخلاقية فقد كان يبصر العالم من زاويته الإلهية،زاوية الجوهر والمضمون أو كما يسميها "إنسجام الطبيعة النقي" حين تقودنا أحاسيسنا الفطرية الصادقة المجردة من النفاق الإجتماعي لفهم حقيقة الحياة والأنسان.

أما أخر هذه المنطلقات فهي ما أطلق عليه ب"جدل الروح" وهي عمليا سلسلة من الإضطرابات في ذات الروح تقود لحقائق جديدة (يقين) بالكامل تتنافى بالعادة كليا مع السائد والقابل للإدراك من قبل الأخرين ، موهبة نادرة نجدها فقط عند الأنبياء

 

"الأمر المؤسف وربما المحزن أننا اليوم نقيم حياتنا بغياب العباقرة بالحياة العادية ،وعلينا أن نعتاد على هكذا حياة ، حياة بلا عباقرة بلا أنبياء ، بلا شمس.أوليست أوروبا تعيش هكذا منذ زمن بعيد والحال أفضل بكثير من حالنا.على ما يبدو هذا هو التحضر، هذا معنى الديمقراطية". هذا ما يتفق عليه اليوم المثقفون الروس-المثقفون الكلاسيكيون- الذين يرون في تواضع الإحتفالات بالذكرى 180 على ولادة تولستوي مؤشرا خطيرا على بداية تحطيم معايير الأمة الأخلاقية وفقدان التوازن في أركان المجتمع وعدم القدرة على تمييز الخير من الشر والجمال من القبح، بل يذهبون لأبعد من ذلك حين يعتبرون أن القيم الأنسانية باتت تنصاع لسلطة المال ، ويتساءلون أخيرا ماذا يتبقى لنا حين ينتهي مخزون النفط والغاز؟

 

رشيد ملحس

 

IslamRF نقلا عن جريدة "المنتدى"

 

لنسخ المادة إلى المدونات يرجى استخدام الرابط

Для блога/форума/сайта:

< Код для вставки

Просмотр


Прямая ссылка на материал:
<a href="http://www.islamrf.ru//aranews/aheritage/aculture/8362/">ISLAMRF.RU: تولستوي...مازال حيا بعد مرور 100 عام على رحيله</a>