بوشكين .. هو كل ما نملك

أبو بكر يوسف  

احتفل ملايين الروس أخيراً بالذكرى العاشرة بعد المائتين لمولد الكسندر بوشكين، هذه العبقرية الفذة في تاريخ الأدب الروسي، التي يجمع النقاد والكتاب على الاعتراف بمكانتها السامية والمتفردة. ولا نعتقد أن شاعراً في العالم حظي لدى قومه بمثل مكانة بوشكين لدى شعبه

ولا يرجع ذلك إلى أنه يعد مؤسس الأدب الروسي الواقعي الحديث، واللغة الروسية الحديثة فحسب، بل لأن بوشكين لمس أوتار النفس الروسية الحساسةـ وعبر بعبقرية البساطة والسهولة العزيزة المنال عن أعماق الوجدان الشعبي، ولأن شعبه أحس فيه بروح التمرد ضد الاستبداد، ورأى تعرضه للنفي وتحديد الإقامة والرقابة الصارمة على إبداعه من القيصر شخصياً، ومصرعه الدامي في مبارزة خاضها دفاعاً عن العرض والشرف

وكان بوشكين قد تنبأ بهذه المكانة التي سيتبوؤها في قلب شعبه، فكتب في قصيدة التمثال: "وسيذكرني الشعب طويلا بالعرفان/ إذ أيقظ قيثاري أنبل إحساس/ وفي عصري القاسي غنيت الحرية/ ودعوت إلى العطف على البؤساء"

قدم الكسندر بوشكين ( 1799 -1837 ) إنتاجاً شعريا وأدبيا غزيرا (16 مجلدا)، يصعب تصور إمكانية كتابته في الحياة القصيرة التي عاشها (37 عاما). أبدع الرواية الشعرية الرائعة غير المسبوقة ( يفغيني أونيغين)، والدراما التاريخية الشعرية (بوريس غودونوف)، والتحف الدرامية (التراجيديات الصغيرة)، والقصائد الملحمية (روسلان و لودميلا، الفارس النحاسي، أسير القوقاز، بولتافا، الغجر..) والحكايات الشعبية المصاغة شعراً ونثراً، وعدداً هائلاً من الإشعار الوجدانية والفلسفية. وأبدع في مجال النثر أعمالاً روائية عديدة (دوبروفسكي، البنت البستوني، ابنة الضابط، قصص بيلكين...). هذا غير الدراسة التاريخية عن ثورة بوجاتشوف، ورواية السيرة "عبد بطرس الأكبر"، إبراهيم هانيبال الطفل الأفريقي الأسود، الذي أهدي إلى بطرس الأكبر فرباه وعلمه في فرنسا، وألحقه ضابطاً بالجيش القيصري، و زوجه من نبيلة روسية أصبحت جدة والدة الكسندر بوشكين. وهذا ما دفع بوشكين إلى الاهتمام بأصله الأفريقي، وبالثقافة العربية والقرآن الكريم فكتب عدة قصائد مستوحاة من سوره

قال الناقد الروسي الكبير بيلينسكي "إن تأثير بوشكين لم يكن لدقيقة واحدة، ولن ينتهي اللهم إلا إذا ماتت اللغة الروسية". وقال تولستوي العملاق "إن حس الجمال لديه راق بدرجة لم يبلغها احد غيره.. إننا نقرا أشعار بوشكين فتبدو ناعمة بسيطة وكأنها انسكبت منه بهذه الصورة ، بينما لا نرى كم بذل من جهد لتخرج بهذه النعومة والبساطة". وقال غوغول: " بوشكين هو التجلي الاستثنائي، وربما التجلي الوحيد للروح الروسية.. والتجلي النبوئي أيضاً"، وقال الناقد والأديب الروسي المعروف أبوللون غريغورييف " بوشكين هو كل ما نملك" !

IslamRF نقلا عن جريدة المنتدى